ـ ليس من الحكمة الحديث عن مذبحة نجع حمادى استباقا لتحقيقات النيابة العامة ، الا أن جلل الحدث وبشاعته وتداعياته وما يترى بعده ، تفرض علىَّ المحاولة ، على حذر ، لتسليط الضوء على بعض ملاحظاتى الشخصية ، التى ربما شطح بها خيالى ، والتى أسردها ، على من يهتم ، حتى لا تكون فتنة ، ومن منطلق الحرص على اظهار الحقيقة وكشف الغموض الذى يحيط بها !
ـ وأبدأ بأن المجزرة التى راح ضحيتها سبعة مواطنيين ، وعلى حد تصورى وفهمى المتواضع ، واستنادا الى طبيعة الجناة ، هى صراعات سياسية ليس لها علاقة بالدين أو الشرف كما يروج البعض ! وذلك استنادا لنقطتين رئيسيتين :
أولا: ما هو معروف عن تخلى التنظيمات الاسلامية المختلفة عن العنف ، وهو ما يؤكده عدم اعلان أى تنظيم عن مسئوليته عن الحادث كما هو متبع فى مثل هذه الأمور ! وحتى لو كان وراءها تنظيم متطرف غير معروف ، أو خلايا "نائمة " كما يطلق عليها ، فلن يقدموا على الاستعانة بمجموعة من "البلطجية" لتنفيذ ما يرون ، على سبيل الخطأ ، أنه نوع من الجهاد ! والا فقدوا الهدف الذى يسعون الى تحقيقه ، و"الثواب" الذى يظنون أنهم سينالونه من مثل هذه العمليات التى يرفضها الدين والمجتمع والقانون ! اضافة الى أن كل ما تابعناه من احتكاكات "شعبية" تلقائية تفرضها ظروف الحياة اليومية بين أصحاب الديانتين ، لم يصل أبدا الى ذلك المستوى من العنف والبشاعة ، بل أن كون الجناة "بلطجية" ، مستأجرين بالطبع ، يخرج بالحدث برمته عن أى تطرف دينى سواء على المستوى الشعبى أو التنظيمات غير الشرعية .
ثانيا: أما الشرف .. فمنذ متى كان أهل الصعيد ، بعائلاتهم المترابطة وعصبيتهم القبلية الشديدة ، يلجأون لاكتراء "بلطجية" لتنفيذ عمليات الثأر وغسل العار بدلا منهم ؟! الأمر الذى يعنى خلو العائلة من الرجال ، ويهدر كرامة القبيلة ويجعلهما عرضة لسخرية العائلات والقبائل الأخرى أبد الدهر .
ـ اذا ، فالمنطق يجعلنا نستبعد الصاق المذبحة بالتطرف الدينى ، أو تبريرها بمسألة الشرف التى يروج لها البعض خروجا من المأزق واستباقا للتحقيقات ، "ربما" لعدم كشف ما إن يُبْدَ لنا يسؤهم !
كذلك يدفعنا المنطق لاستبعاد ما جاد به سعادة الدكتور مفيد شهاب ، وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية ، رابطا بين "الصدفة" التى جمعت بين قافلة شريان الحياة بقيادة النائب البريطانى الشجاع جورج جالاوى ، واستشهاد المجند أحمد شعبان على الحدود مع غزة ، ووقوع الأحداث المؤسفة فى نجع حمادى !!! أو ما أعزى به محافظ قنا أسباب الحادث الى "استفزازات" يقوم بها المسيحيون ضد المسلمين ، الأمر الذى ينفيه كسبب ، مرة أخرى ، كون الجناة "بلطجية" !!! اذ ليس من المعقول أن يُستَفز "المسجل خطر" عدو المجتمع .. وحده مرتديا قميص "المعتصم" متقلدا سيفه مبادرا للانتقام ، بينما يجلس باقى المواطنون الشرفاء "ملطشة" لا حول لهم ولا قوة !
ـ اذا بقيت السياسة !!! وما أدراك ما السياسة .. الغائب الحاضر بألغازها الكثيرة !!! والتى أظن أنها السبب الرئيسى والوحيد الذى يقف خلف الحادث ! يدفعنى الى هذا "الظن" عدة نقاط أهمها:
أولا: مزج الأنبا "كيرلس" أسقف نجع حمادى بين رسالته الدينية واشتغاله بالعمل السياسى كعضو له ثقله بالحزب الوطنى دون أن يعود ذلك الا بالوبال على شعب الكنيسة ، الأمر الذى أرفضه ، على المستوى الشخصى ، بالنسبة لأى رجل دين مسلم أو مسيحى ، فرجل الدين ، فى رأيى ، مهمته الأساسية والوحيدة هى شرح تعاليم الدين ، المطلق ، وقيمه وأدابه للناس حكاما ومحكومين وارشادهم الى طريق الله وتحريضهم على الاحتكام الى شريعته سبحانه وتعالى ، بعيدا عن السياسة ، النسبية ، وما يمكن أن تصل اليه من دروك متدنية لا تتفق مع قدسية الدين والاحترام الواجب لرجاله !
ثانيا: هذا الاشتغال بالسياسة ، تلك اللعبة القذرة ، من البديهى أن يخلق نوعا من الحزازات مع بقية المنافسين السياسيين ، حزازات يهبط مداها الى ما يمكن أن يبيحه لنفسه أى سياسى من تجاوز أوانحدار أويقبل بممارسته تحقيقا للهدف ، الرخيص مقارنة بالثمن ، الذى يسعى اليه !
وهى حزازات ، لم يخفها الأنبا كيرلس نفسه فى تصريحاته الكثيرة التى أعقبت الحادث ، والتى انسلخ منها ونفاها عقب زيارة المهندس أحمد عز أمين تنظيم الحزب الحاكم لمقر الأسقفية ! الأمر الذى أثار غضب النائبة "جورجيت قلينى" ودفعها الى اتهام الأنبا كيرلس علانية بتغيير أقواله لأسباب غير مفهومة !
ففى البداية ، وفى تصريح خطير جدا أدلى به الانبا كيرلس تليفونيا لوكالة فرانس برس قال حرفيا ( ان المتهم معروف وهو مسجل خطر مشهور باسم "حمام كموني" ، وكان يفترض ان يكون موقوفا ، ولكن الشرطة تركته حرا بتحريض من نواب نجع حمادي ، وهم نواب نافذون في الحزب الوطني الحاكم ( حسب ما أوردته الوكالة ! وهى نفس الاتهامات التى كررها الأنبا كيرلس فى لقطة مصورة نقلها برنامج "90 دقيقة" على قناة المحور ، وزاد عليها الأنبا بملاحظته عن غياب المسئولين الرسميين عن الحضور الى مقر الاسقفية لتقديم التهنئة بالعيد على غير العادة ، وأن الأمن لم يكن موجودا بالكثافة المطلوبة للمناسبة كما قال !
هذا الكلام ، اذا اضفنا اليه تصريحه الخطير السابق لفرانس برس ، يفهم منه أن الرجل ، الذى يعلم ما لا نعلم ! ، يلمح ، ربما خشية من عواقب التصريح ، الى أن أولئك المسئولين كانوا على شبه علم مسبق بالحادث !!!! خاصة بعد ما أكد أنه أبلغ المحافظ والمسئولين بعد الجريمة واخبرهم باسم الفاعل !!!!
ثالثا: عاد الانبا ، عقب زيارة أحمد عز ، أمام النيابة يوم 11 يناير وفى تصريحاته بعدها ، لينفى علمه بذلك الفاعل أو مشاهدته للجناه ، مؤكدا أن الأمن أدى واجبه ، قائلا ( قبل الأعياد أبلغنا السلطات الأمنية بأماكن ومواعيد الصلاة لزيادة عملية التأمين واستجاب الأمن ) ، نافيا أنه سبق وتلقى تهديدا من شخص ما ! على عكس ما ذكره القمص "عبد المسيح" ، أحد رجال الكنيسة ، عن تهديدات وصلت الى الأنبا كيرلس دفعته الى التبكير بموعد القداس لينتهى فى العاشرة بدلا من منتصف الليل كما هى العادة مع تعليماته الى الكهنة بالتزام بيوتهم ! ولاحظ أن التعليمات موجهة للكهنة وليس لشعب الكنيسة ! وهو ما يعنى أن التهديدات كانت للأنبا وكهنة الأسقفية !
ــ كل ما سبق يقودنى الى بعض الأسئلة التى لا أبتغى منها الا البحث عن الحقيقة :
ـ هل للأمر علاقة بخلاف الانبا كيرلس مع بعض ساسة الحزب الحاكم وبالتالى كان هو المستهدف شخصيا بعملية التصفية والاغتيال كنوع مما يسمح به بعض الساسة لأنفسهم حيال خصومهم ؟
ـ هل للأمر علاقة بالخلاف السابق للانبا كيرلس مع الأنبا بيشوى والأنبا أراميا الذى كاد يعرض الأول الى المحاكمة الكنسية لولا حكمة البابا شنودة ونزوله على رغبة نصارى نجع حمادى الذين توافدوا على مقر الكاتدرائية بالقاهرة مطالبين ببقاء الانبا كيرلس ؟
ـ أى مفاوضات فى مفهومها تعنى تنازل كل طرف من المتفاوضين عن بعض مواقفه للوصول الى نتيجة مرضية لكل منهما ، اذا ما نوع تلك المفاوضات التى دفعت بالجناة لتسليم أنفسهم طواعية وهم يعلمون أن العقوبة ستكون الاعدام لا ريب ولا جدال ، اضافة الى أنهم ليسوا فى الموقف الذى يسمح لهم بالتفاوض من الأساس ، حيث لا رهائن بين أيديهم ولا أعوان لهم أحرار يمكنهم تنفيذ عمليات أخرى ؟!
ـ كيف سمح صاحب القرار ، أيا كان ، بفك اعتقال "مسجل خطر" على الدولة وعلى الناس ، مجاملة لأحد رجالات الحزب الحاكم تحت دعوى "مساندته" فى الانتخابات التشريعية القادمة ؟!
ـ كيف سيتصرف الحزب بعد هذه الفضيحة ؟! أعنى فضيحة استعانة "كبار" نوابه بالبلطجية للفوز بمقعد برلمانى لن يمنحه الخلود فى الفردوس الأعلى ، ان لم يذهب به فى الاتجاه الآخر !
ـ الشاهد أن الحادث الجلل لا علاقة له بالدين أو الشرف أوالثأر، حسب تصورى ، حيث تنفى طبيعة الجناة أى من هذه الاحتمالات كما ذكرت آنفا ، بل هى السياسة والسياسة وحدها ، ومفتاح اللغز قابع فى فم الأنبا كيرلس وحده ! وهو ما يدفعنى الى المطالبة بعدة نقاط:
أولا: أن يوجه الاخوة المسيحيون ضغوطهم على الأنبا كيرلس وأن يطالبوا البابا شنودة بحثه على كشف الحقيقة ، لوجه الله الواحد الذى نعبده جميعا ، وابقاء على لحمة الوطن ، وحماية لمشاعر المسيحيين ، وقبل ذلك وبعده درءا لمخاوفهم ومنعا لأى حماقات يرتكبها بعض المتحمسين المضللين ستشعل الوطن نصارته ومسلميه.
ثانيا: أن يامر السيد وزير الداخلية بالتحقيق فى قانونية فك اعتقال البلطجى مرتكب الحادث واعلان ذلك على الأمة ، تبرئة لأجهزة الأمن التى تتحمل وحدها فى النهاية أمام الشعب ثمن أخطاء السياسة ومدعيها .. وبلطجيتها ايضا !.
ثالثا: أن يعلن الحزب الحاكم بوضوح وشفافية عن ما ينتوى فعله ازاء فضيحة استعانة رجاله بالبلطجية للمرور الى أروقة البرلمان التى أفرزت هذه الجريمة .
رابعا: أن يتفرغ رجال الدين للدين وأن ينأوا بأنفسهم وبالدين الذى يدرسون تعاليمه عن الخوض فى برك السياسة ومستنقعاتها القذرة .
ـ ما سبق لا يزيد عن خواطر دفعتنى اليها مخاوفى على هذا الوطن المبتلى ببعض ابنائه .. وحرصى على مناقشة ما أظنه صحيحا مع حضراتكم .. ربما أخطأت فى تصورى .. وربما قد شطح بى خيالى .. ولكن .. الأكيد .. أنها حتى لا تكون فتنة !!
ضمير مستتر:
{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }الأنعام123
ق لا يزيد عن خواطر دفعتنى اليها مخاوفى على هذا الوطن المبتلى ببعض ابنائه .. وحرصى على مناقشة ما أظنه صحيحا مع حضراتكم .. ربما أخطأت فى تصورى .. وربما قد شطح بى خيالى .. ولكن .. الأكيد .. أنها حتى لا تكون فتنة !!
ضمير مستتر:
{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }الأنعام123