** عشرة أسباب للوقاية من الحسد **
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليا
مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله.
أما بعد
فهذه عشرة أسباب عظيمة، إذا قام بها العبد وطبقها، زال عنه شر الحاسد
والعائن والساحر. أسأل الله العظيم أن يشفينا ويحفظنا من الحسد
فاللهم إني أعوذ بك من أن نحسد أو نحسد. وأسأل الباري عز وجل
أن يعم نفعها، آمين.
وقد أجمل العلامة ابن القيم رحمه الله ذلك في كتابه بدائع الفوائد
وهو مأخوذ منه بتصرف, ويندفع شر الحاسد عن المحسود
بعشرة أسباب
السبب الأول
التعوذ بالله من شره والتحصن به واللجوء إليه؛ كما قال تعالى
قل أعوذ برب الفلقِ * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب *
ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد
[الفلق: 1- 5].
وحقيقة الاستعاذة: الهروب من شيء تخافه إلى من يعصمك ويحميك
منه، ولا حافظ للعبد ولا معيذ له إلا الله، وهو سبحانه
حسب من توكل عليه.
السبب الثاني
تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه، فمن اتقى الله تولى حفظه
ولم يكله إلى غيره؛ قال تعالى
ï´؟وإن تصبِروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بِما يعملون محيطï´¾
[آل عمران: 120].
السبب الثالث
الصبر على عدوه وأن لا يقاتله ولا يشكوه، ولا يحدث نفسه بأذاه
السبب الرابع
التوكل على الله، فمن يتوكل على الله فهو حسبه، ولو توكل العبد
على الله حق توكله، ولو كادت له السموات والأرض ومن فيهن
لجعل له مخرجا من ذلك، وكفاه ونصره.
السبب الخامس
فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه، وأن يقصد أن يمحوه من
باله كلما خطر له، فلا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه.
السبب السادس
الإقبال على الله والإخلاص له، وجعل محبته ونيل رضاه والإنابة
إليه في كل خواطر نفسه وأمانيها.
السبب السابع
تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه؛ فإن الله
تعالى يقول
ï´؟وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكمï´¾
[الشورى: 30]
فما سلط على العبد من يؤذيه إلا بذنب، يعلمه أو لا يعلمه، وما لا
يعلمه العبد من ذنوبه أضعاف ما يعلمه منها، وما ينساه مما علمه
وعمله أضعاف ما يذكره.
وفي الدعاء المشهور
((اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم))
رواه البخاري في الأدب المفرد، فما يحتاج العبد إلى الاستغفار منه
مما لا يعلمه أضعاف أضعاف ما يعلمه، فما سلط عليه مؤذ إلا بذنب
وليس في الوجود شر إلا الذنوب وموجباتها، فإذا عوفي من الذنوب
عوفي من موجباتها، فليس للعبد إذا بغي عليه وأوذي وتسلط عليه
خصومه شيء أنفع له من التوبة النصوح من الذنوب التي كانت
سببا لتسلط عدوه عليه.
السبب الثامن
الصدقة والإحسان ما أمكنه، فإن لذلك تأثيرا عجيبا في دفع البلاء
ودفع العين وشر الحاسد، فما يكاد العين والحسد والأذى يتسلط على
محسن متصدق، وإن أصابه شيء من ذلك كان معاملا فيه باللطف
والمعونة والتأييد، وكانت له فيه العاقبة الحميدة، والصدقة والإحسان
من شكر النعمة، والشكر حارس النعمة من كل ما يكون سببا لزوالها.
السبب التاسع
أن يطفئ نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكلما ازداد
أذى وشرا وبغيا وحسدا، ازددت إليه إحسانا، وله نصيحة، وعليه
شفقة؛ قال الله تعالى
ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك
وبينه عداوة كأنه ولي حميم
[فصلت: 34].
السبب العاشر
وهو الجامع لذلك كله وعليه مدار هذه الأسباب وهو تجريد التوحيد
والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم
قال تعالى
وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير
فلا راد لفضله
وقال النبي لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما
واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء كتبه
الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء
كتبه الله عليك
فإذا جرد العبد التوحيد فقد خرج من قلبه خوف ما سواه وكان عدوه
أهون عليه من أن يخافه مع الله تعالى بل يفرد الله بالمخافة
وقد أمنه منه وخرج من قلبه اهتمامه به واشتغاله به وفكره فيه
وتجرد الله محبة وخشية وإنابة وتوكلا واشتغالا به عن غيره فيرى
أن إعماله فكره في أمر عدوه وخوفه منه واشتغاله به من نقص
توحيده فالتوحيد حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين
قال بعض السلف من خاف الله خافه كل شيء ومن لم يخف
الله أخافه من كل شيء
فهذه عشرة أسباب يندفع بها شر الحاسد والعائن والساحر وليس له
أنفع من التوجه إلى الله وإقباله عليه وتوكله عليه وثقته به وأن لا
يخاف معه غيره بل يكون خوفه منه وحده ولا يرجوا سواه بل
يرجوه وحده فلا يعلق قلبه بغيره ولا يستغيث بسواه ولا يرجو
إلا إياه ومتى علق قلبه بغيره ورجاه وخافه وكل إليه وخذل
من جهته فمن خاف شيئا غير الله سلط عليه ومن رجا شيئا
سوى الله خذل من جهته وحرم خيره هذه سنة الله في خلقه
ولن تجد لسنة الله تبديلا الأحزاب.
وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام علي المرسلين
والحمد لله رب العالمين
جمع وترتيب: رضا البرادعي
عضو الجمعية العلمية للدعوة والثقافة الإسلامية